مع تزايد عدد المسلمين.. مسيحيو لبنان يواجهون شبح التغير الديموغرافي

مع تزايد عدد المسلمين.. مسيحيو لبنان يواجهون شبح التغير الديموغرافي

لبنان - بلال نور الدين

بعد الانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان عام 2019 وفي ظل الصدام السياسي الذي اشتد ما بين الأحزاب السياسية حول مستقبل هوية البلاد، برز تخوف في المجتمع المسيحي من إعادة تكوين النظام اللبناني على أساس الديموغرافيا التي باتت تصب في صالح المسلمين وما يتم الحديث عنه في بعض الكواليس عن ضغوط لتوطين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في لبنان، الذين هم في أغلبهم من المسلمين، هذا التخوف قاد إلى طروحات عدة من بينها تطبيق الفيدرالية أو التوجه نحو التقسيم.

وفي هذا الإطار يرى أمين الإعلام في حزب الوطنيين الأحرار، أن “المسيحيين في لبنان عاشوا على مدى تاريخهم مع الخطر، كان هذا الخطر كبيرا في فترات معينة وكان أقل خطورة في فترات أخرى. أما اليوم فإن الوضع المسيحي سيئ وخطر"، ويربط هذا الخطر بعدة أسباب قائلا إن ”المسيحيين ديموغرافيا يتناقصون لتناقص نسبة الولادات وإضافة إلى الهجرة المستمرة والمتزايدة وهي هجرة سياسية واقتصادية، إضافة إلى مرسوم التجنيس الذي أقر سنة ١٩٩٥ والذي أدى إلى اهتزاز التوازن وسبب خللاً ديموغرافياً إسلامياً-مسيحياً". 

وأضاف سمعان أن هذه الديموغرافيا أدت إلى أن الفئات اللبنانية الأخرى سيطرت أكثر فأكثر على القرار السياسي، ومن القرار السياسي على القرار الأمني ثم القضائي واليوم على القرار الاقتصادي والمالي في البلد، ويتابع “كان المسيحيون يمسكون بمفاصل الدولة، لكنهم خسروها.. واليوم، هناك معركة قوية كي يخسروا القرار الاقتصادي.. وبعدها تأتي الخسارة الجغرافية، لأنه حتى اليوم ما زالوا يملكون أكثر من ٥٠% من مساحة الأراضي في لبنان، ولكنهم يبيعون هذه الأراضي وبالتالي سيخسرون الجغرافيا".

ونتيجة لمرسوم التجنيس الذي أقر عام 1995، وصل عدد المجنسين المسلمين إلى 150929 مجنسا أغلبهم من السنة، فيما لم يتجاوز عدد المجنسين المسيحيين 40439 شخصا. 

وحول احتمال وجود تسوية مستقبلية في لبنان على حساب المسيحيين أوضح سمعان في حديث لـ"جسور بوست"، أن “التسويات الدولية تأتي دوماً لصالح أطراف على حساب مصالح أطراف أخرى في لبنان، وهكذا هكذا كانت تسوية 1920 التي أعطت المسيحيين الأفضلية، ثم تسوية ١٩٤٧ التي أدت إلى أن يكون هناك تعادل في السلطة مع أرجحية للمسيحيين، ثم تسوية الطائف التي أتت بأرجحية أو بسلطة مرجحة لرئيس الوزراء السني أو للسنة خصوصا في النظام على الأقل على حساب المسيحيين، ثم أتت تسوية الدوحة بإعطاء الشيعة نوعاً من الفيتو في النظام وتقويتهم ضمن النظام السياسي. إذن، من هنا يأتي طرحنا نظاما اتحاديا للبنان حيث يأخذ الجميع ١٠٠% مما يملكونه”، ويتابع “نحن نريد أن تأخذ جميع المكونات اللبنانية الشيعية والسنية، والدرزية والمسيحية حقوقها كاملة في هذا الوطن الذي اسمه لبنان، من هنا فإن أية تسوية دولية مستقبلية لن تأتي بالتأكيد على حساب أي طرف أو لمصلحة أي طرف”.

نبيل سمعان

واتفاق الطائف هو صيغة أنهت 15 سنة من الصراع بين اللبنانيين على صيغة حكم، باتت بعدها السلطات مقسمة عرفيا على أساس الطوائف، حيث يشغل الموارنة منصب رئاسة الجمهورية والسنة منصب رئاسة الحكومة والشيعة رئاسة مجلس النواب، فيما يتقاسم المسلمون والمسيحيون مقاعد مجلس النواب الـ128 مناصفة. ويشمل التوزيع الطائفي هذا وظائف الدولة المختلفة في بلد تعيش فيه 18 طائفة.

لكن سمعان لا يخفي تخوفه من تكرار سيناريو الحرب الأهلية اللبنانية، فيكشف أنه "نعم هناك خطر على الوجود المسيحي، وهناك خطر على وجود لبنان.. من هنا نتطلع لطرح صيغة لنظام جديد للبنان يضمن البقاء والديمومة للوطن اللبناني بجميع مكوناته". 

وعن طبيعة الطرح المناسب لطمأنة المكون المسيحي، كشف سمعان أن النظام الاتحادي (الفيدرالي) هو لمصلحة جميع المكونات اللبنانية وهو لا يأتي لمصلحة فئة على حساب أخرى، فهو يعطي لكل مكون لبناني حقة كاملاً في إدارة شؤونه الحياتية، الاقتصادية، الأمنية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، الحضارية، إلخ... إذن نحن نتكلم عن نظام يضمن في ظله فعلاً "وقفنا العد".

وأضاف: "ففي ظل النظام الاتحادي لم يعد يعني العدد غلبة فريق على آخر. بل بالعكس، إن العدد مهما كثر أو قل يبقى في ظل المكون". 

وفسر الطرح قائلا "مثلاً، إذا أخذنا المكوّن الدرزي فعدده اليوم هو 10% نسبة إلى المكون الشيعي أو السني، ولكن المكون الدرزي يضمن من خلال النظام الاتحادي أو الفيدرالي لنفسه أن يكون حاكماً للمحافظة الدرزية. فيما في النظام المركزي الحالي لا يمكن حتى أن يحصل على وزير سيادي. وبالتالي، من موقعه، في النظام الاتحادي، يمثل محافظته في المجلس الرئاسي ويترأس الجمهورية الاتحادية اللبنانية سنة كل أربع سنوات". 

وتابع "إن المسيحيين كانوا دوماً رواداً في طرح الأفكار الجديدة في لبنان وكانوا رواداً في صناعة هذا اللبنان الكبير الذي نعيش فيه اليوم، طرحنا اليوم نطرحه كحل لكل اللبنانيين".

ويقصد بـ"وقفنا العد" العبارة التي أطلقها رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري الذي سعى لطمأنة المسيحيين بعد انتهاء الحرب الأهلية إلى أن التغير الديموغرافي لصالح المسلمين لن يؤثر على واقع الحياة السياسية القائمة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

واختم سمعان، قائلا "إن معادلة القوي والضعيف في لبنان هي متبدلة على مر السنوات والحقب. فإذا كان اليوم من طرف يشعر كأن له الغلبة على الباقين، فعليه أن يعود إلى تاريخ ليرى أن أطرافاً أخرى كان لها بالأمس غلبة ولكن ذلك لم يؤدِ إلى حل دائم في لبنان. إن الحل الفيدرالي ليس فقط حلاً للمسيحيين، بل لجميع المكونات اللبنانية".

وتنشط في المجتمع السياسي المسيحي عدة أحزاب إلى جانب حزب الوطنيين الأحرار وهي الكتائب والقوات والمردة والتيار الوطني الحر وغيرها من الأحزاب، وتتفق على فكرة رفض إقصاء المسيحيين. 

دور الكنيسة والأحزاب

تتفق المتحدثة الإعلامية باسم حركة الأرض اللبنانية باسكال بطرس مع طرح سمعان حول الخطر الذي يعيشه المسيحيون، معبرة عن خشية "من فقدان الهوية وتقلص الحريات الدينية والثقافية. 

وتابعت بطرس في تصريحات لـ"جسور بوست": "لا يمكن تبديد هذه المخاوف إلا من خلال إعادة بناء العيش المشترك بشروط الدولة، والكفّ عن اعتبار هذه الدولة حقلاً للصراع والتقاسم بين أحزاب طائفية، ومن خلال دولة مدنية، حيث القانون يسري على الجميع دونما تمييز، وحيث العدالة مستقلة تماماً عن السلطة التنفيذية، وحيث في إمكان المواطن الفرد أن يختار قانوناً مدنياً لأحواله الشخصية، وحيث لا تكون الإدارة العامة حقلاً للزبائنية على اختلاف أنواعها، وحيث مشاركة المواطن في الحياة العامة مكفولة بقانون انتخاب حديث".

ولا تخفي بطرس لومها على الساسة المسيحيين إذ تعتبر أن "النواب والوزراء المسيحيين الذين شغلوا المناصب العامة في لبنان لم يقدموا الدعم الكافي للمجتمع المسيحي لتمكينه من البقاء. بدلاً من ذلك، كانوا أكثر اهتماماً بمصالحهم الشخصية والسياسية". 

وحول المطلوب من الكنيسة والأحزاب المسيحية ترى أنه "يجب عليهم أن يوفروا الدعم للمجتمع المسيحي وتثبيته بأرضه ووطنه من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية والتربوية والصحية".

باسكال بطرس

وعن دور حركة الأرض في تمكين المسيحيين في لبنان، كشفت بطرس أن الحركة "تعمل على توعية المسيحيين على عدم بيع أراضيهم نظراً لما يحمله ذلك من تغيير ديموغرافي أمام هجمة باقي الطوائف في لبنان على التملّك في المناطق المسيحية.. فمَن يبيع عقاره وأرضه يبيع وجوده والقضية باتت مسألة وجودية ومصيرية بالنسبة إلى المسيحيين". 

وأضافت "كما نعمل على التنسيق مع عدد من السياسيين ورجال الدين لرفع الصوت في مجلس النواب لتغيير القانون الذي صدر عام 1997، وسحب بموجبه ما يسمى "براءة الذمة البلدية وحق الشفعة" وهو صدر عن البرلمان في فترة تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة بموجب مشروع قانون كانت من ضمنه الموازنة".

وبحسب حركة الأرض فإن قانون "براءة الذمة البلدية وحق الشفعة" الذي أُقر سمح بتمرير الآلاف من صفقات بيع الاراضي من دون حسيب أو رقيب وخصوصاً في البلدات والقرى المسيحية.

التوطين طرح جدي

بدوره يرى الصحفي والكاتب السياسي إبراهيم ريحان، أن "مشروع توطين الفلسطينيين لم يسقط يوما. وهذا يدخل ضمن الإستراتيجية الإسرائيلية بالدرجة الأولى بهدف إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وإذا تعمقنا أكثر نرى أن هناك استهدافا إسرائيليا ممنهجا لمنظمة الأونروا المعينة بإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وبذلك، فهو يدفع اللاجئين لمغادرة الأماكن التي هم فيها أو محاولة الاندماج في المجتمع بعيدا عن المساعدات الأممية". 

وأضاف ريحان، في تصريحات لـ"جسور بوست": "وهنا المطلوب من لبنان أن يدق ناقوس الخطر، وألا يكتفي فقط باتفاق الطائف لناحية ألّا يكون هناك تقسيم أو توطين، فيجب أن ننتبه أن هناك نية لتوطين الفلسطينيين والسوريين، رغم أن قسما كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين لا يريدون التوطين، ولكن في حال أصبح التوطين أمرا واقعا ولم يكن هناك سبيل للاجئ إلا التوطين، فسوف يضطر بالقبول والرضوخ للفكرة، خصوصا أنه كما نرى خلال حرب غزة تراجع الكلام عن حق العودة للفلسطينيين، وفقط الكلام بات حول إنشاء دولة فلسطينية، علما أن حق العودة تنص عليه بعض القرارات الدولية والمؤتمرات الدولية والعربية والإسلامية".

وتابع ريحان، “إن توطين اللاجئين السوريين والفلسطينيين لا يدق ناقوس خطر فقط للمسيحيين بل للجميع، لأنه يؤدي إلى خلل ديموغرافي في البلاد، ويؤثر على التركيبة السياسية، وهذا سينعكس سلبا على الحياة السياسية وعلى المدى البعيد ستكون له آثار، وبالتالي، دق ناقوس الخطر يجب أن يكون عمليا وليس فقط بالأقوال”.

وأوضح ريحان، أن “الضغط لحل مشكلات اللاجئين أمر يفوق قدرة لبنان السياسي. ولكن على لبنان أن يشكل ضغطا على المجتمع الدولي ودول القرار لتجنب أي مشروع لتوطين السوريين والفلسطينيين”.  

إبراهيم ريحان

وتابع "وأيضا لا بد من وجود قرار بعودة الاستقرارين السياسي والأمني إلى سوريا.. ومعالجة الأسباب التي دفعت الناس للجوء، فهناك لاجئون يعتبرون أنهم في وضع خطر أمني في حال العودة وهم بحاجة إلى ضمانات. كما أن الوضع الاقتصادي في سوريا منهك وهو لا يشجع اللاجئ للعودة إلى سوريا.. وهكذا فإن إطلاق عملية سياسية والبدء بإعادة الإعمار سيعيدان السوري بإرادته، وبخصوص اللجوء الفلسطيني فهو يحتاج إلى قرار عربي موحد حول حق العودة للاجئين إلى أراضيهم بعد إقامة دولة فلسطينية أو لحل الدولتين، أي إن مسار اللجوء الفلسطيني لا يزال أكثر تعقيدا، بسبب وجود الرفض الإسرائيلي، بل يبدو أن هناك تصرفات إسرائيلية توحي بأن الإسرائيلي يريد تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ولاحقا من الضفة الغريبة، وما الحرب في غزة والتلويح بضرب رفح إلا لهدف تهجير الفلسطيني.. فكيف إذا يقبل الإسرائيلي بحق العودة لمن هم خارج فلسطين، وبالتالي على العرب أن يشترطوا أن تشمل أي عملية سلام أو تطوير سياسي مع إسرائيل إعادة جزء كبير من اللاجئين، إذ أعتقد أنه من الصعب عودة كل اللاجئين".

ويرفض ريحان الطرح القائل بوجود ثنائي سني-شيعي يتفرد بحكم لبنان، معتبرا أنه "في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون كان هناك حكم مسيحي-سني-شيعي.. والرئيس عون لم يكن ضعيفا شعبيا أو سياسيا، بل على العكس جاء من كتلة نيابية قوية وكان يمثل شريحة كبيرة من المسيحيين على عكس الرؤساء السابقين". 

وأكمل قائلا: هناك أشخاص يريدون رفع تلك الذريعة للذهاب نحو مشاريع مثل الفدرلة أو التقسيم، التي من الصعب تطبيقها في لبنان على أرض الواقع بسبب صغر حجمه الجغرافي وللتداخل الديموغرافي، ولو أن هناك بعض المناطق التي تتميز بأغلبية لطائفة، ولكن لا يوجد مناطق خالصة لطائفة ما يصلح فيها تطبيق الفيدرالية، وإذ وجدت منطقة ما فتكون صغيرة جغرافياً وبالتالي يصعب تسميتها مقاطعة وأن يكون لها حكم ذاتي. 

ويعتقد ريحان أن "الأنسب في لبنان هو تطبيق اللا مركزية الإدارية التي هي أقل من تقسيم وترضي جميع الأطراف وتحسن الأداء الإنمائي والخدماتي في كل المناطق".

وكان رأس الكنيسة المارونية في لبنان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قد حذر في وقت سابق من تفرد السنة والشيعة بالحكم، معلنا رفضه هذه الصيغة التي تستبعد المسيحيين.

لا نية دولية للتوطين

من ناحيتها تنفي المتحدثة الإعلامية باسم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في لبنان، ليزا أبو خالد، وجود مؤامرة دولية لإبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، وتكشف أنه "ليس هناك أجندة خفية في هذا الشأن"، وتتابع: "لقد كنا دائما شفافين للغاية بشأن موقفنا: الأمم المتحدة لا تعرقل عودة اللاجئين إلى سوريا. نحن ندعم العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين، ما يعني أننا ندعم عودة اللاجئين عندما يشعرون بالأمان للقيام بذلك. يختار آلاف اللاجئين ممارسة حقهم في العودة إلى سوريا كل عام".

وعن طريقة عودة اللاجئ الراغب إلى سوريا توضح “أبو خالد” في حديث لـ"جسور بوست" أن "غالبية اللاجئين السوريين يخبرون مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أنهم يريدون العودة إلى سوريا". 

وتتابع: "والسؤال ليس إذا كان ذلك ممكنا، بل متى؟ فلا تزال نوايا اللاجئين مدفوعة بالوضع على الأرض في سوريا، وهناك مجموعة من العوامل المتعددة التي تؤثر على قراراتهم، يخبرنا معظم اللاجئين أنهم ما زالوا يشعرون بالقلق إزاء مجموعة من العوامل، بما في ذلك السلامة والأمن، والسكن، والوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، فمن المهم أن يتمكن اللاجئون من اتخاذ قرار مستنير".

وتؤكد “أبو خالد” أن "الأمم المتحدة تواصل العمل مع الجهات الفاعلة الرئيسية لإيجاد حلول طويلة الأجل للاجئين السوريين، بما في ذلك إعادة توطين اللاجئين في بلدان ثالثة والعودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين إلى سوريا". 

وتتابع: "وفي هذا الصدد، تعمل الأمم المتحدة وشركاؤها مع جميع المعنيين، بما في ذلك الحكومة السورية والبلدان المضيفة وأصحاب المصلحة الآخرين لمعالجة المخاوف التي يعتبرها اللاجئون عقبات أمام عودتهم بأعداد كبيرة".

وردا على سؤال حول إذا ما كانت هناك أي مخاوف أو تحديات خاصة مرتبطة بالمواليد الجدد من النازحين غير المسجلين، قالت إنه “لأن العديد من اللاجئين يواجهون صعوبات في تلبية متطلبات تسجيل الولادات، سواء بسبب فقدان الوثائق وعدم القدرة على استبدالها، تعمل الأمم المتحدة بالشراكة مع الحكومة اللبنانية لتسهيل تسجيل الولادات". 

وأضافت: "تقدم المفوضية الدعم القانوني والمشورة لمساعدة اللاجئين في تسجيل الولادات.. تقدم المفوضية وشركاؤها الدعم القانوني لجميع اللاجئين المحتاجين لتسجيل زواجهم وولادة أطفالهم".

ليزا أبو خالد

وأوضحت “أبو خالد” أنه تمت ملاحظة "ارتفاع نسبة تسجيل المواليد للأطفال المولودين في لبنان إلى 41% عام 2023 مقابل 36% عام 2022 (على مستوى تسجيل الأجانب)، كما لوحظ ارتفاع إجمالي تسجيل الولادات على مستوى النفوس إلى 56% سنة 2023 مقابل 53% سنة 2022". 

وتابعت قائلة "ومع ذلك، ما يقرب من 60% من الأطفال السوريين المولودين في لبنان ما زالوا بحاجة إلى إنهاء تسجيل ميلادهم (جميع الخطوات)، ولا تزال التكاليف المرتبطة بذلك هي العائق الرئيسي أمام استكمال عملية تسجيل المواليد الكاملة". 

وتضيف: "ومن المهم التوضيح أنه لكي يتم تسجيل الولادات رسمياً، فيجب أن يتم هذا التسجيل من خلال السلطات اللبنانية".

ووفق أرقام مفوضية الأمم المتحدة للاجئين فإنه حتى نهاية ديسمبر 2023، كان لدى المفوضية 784,884 لاجئاً سورياً مسجلا، بالإضافة إلى 11,238 لاجئاً مسجلاً من جنسيات أخرى، مثل السودانية والعراقية، حيث وصل عدد اللاجئين العراقيين بينهم إلى 5,102 لاجئ.

وبحسب “أبو خالد” فإن "المفوضية تحتفظ بالمعلومات المتعلقة باللاجئين السوريين المسجلين في لبنان وتقوم بتحديثها باستمرار، بما في ذلك تسجيل الأحداث المدنية، مثل الولادات والزواج والطلاق والوفاة، وكذلك، بعد التحقق، إلغاء تسجيل الأشخاص الذين عادوا إلى سوريا وإلغاء تنشيط حالات المساعدة إذا لم يكونوا موجودين للتحقق من صحتها". 

وتضيف أنه "لأغراض ضمان حصول السوريين المستضعفين على المساعدة حتى بدون تسجيلهم رسميًا، تسجل المفوضية تفاصيل السوريين غير المسجلين الذين يتواصلون مع المفوضية".

علما أن الحكومة اللبنانية كانت قد طالبت المفوضية سنة 2015 بالتوقف عن تسجيل الأطفال السوريين الذين يولدون في لبنان، وبذلك فإن تسجيل المفوضية كان ولا يزال معلقا.

التوافق سبيل للخلاص

بدوره، استبعد الباحث التركي في مركز "أورسام" والمتخصص في قضايا الشرق الأوسط لبنان، مصطفى يتيم، "أن يكون هناك توجه غربي لتوطين الفلسطينيين والسوريين لضرب نفوذ إيران المتمثل بحزب الله"، حيث يرى أنه "بالنظر إلى أن بعض الجهات الفاعلة السنية تتحالف حتى مع الشركات التابعة لإيران في لبنان، مثل حزب الله، فيبدو من المستحيل الادعاء بأن الولايات المتحدة والدول الغربية تعتزم موازنة التوسع الإيراني مع بعض السياسات الديموغرافية. ولتوضيح ذلك، تتمتع حماس ومعظم الفصائل الفلسطينية بعلاقات أوثق مع حزب الله والجهات الفاعلة الشيعية الأخرى التي تنشط في جنوب لبنان ومناطق أخرى. لذلك، فإن تشكيل حضور سني محتمل كقوة مضادة للنفوذ الإيراني على لبنان ليس أمراً منطقياً ومفضلاً سياسياً في الأوساط الغربية".

وعند مدى احتمال تغير الدور السياسي المسيحي في حال توطين اللاجئين وبالتالي تمكن المسلمين من السلطة أكثر في لبنان فيعتقد يتيم أن "هذا لا يرتبط بتغير السكان المسلمين في لبنان، كما أن هذا التوازن الديموغرافي بين المسلمين والمسيحيين قد تغير بالفعل بشكل جذري لصالح المسلمين وخاصة المسلمين الشيعة، لذلك، وبما أن هؤلاء اللاجئين لا يحملون جنسية في لبنان، فإن القلق بشأن التغيير المحتمل بين المسلمين والمسيحيين يشكل جزءاً أقل من القضايا الرئيسية. وهذا يعني أن التوازن الديموغرافي الذي تشكل مع التعداد العام لعام 1932 قد تحطم بالفعل، ومن المفترض الآن أن يشكل المسلمون نسبة كبيرة من إجمالي السكان ولهذا السبب يتأخر إجراء التعداد السكاني الجديد دائمًا. وحتى بعد اتفاق الطائف، حدثت تغييرات منهجية كثيرة في الهيئات التشريعية والتنفيذية في لبنان لاستيعاب الحقائق الديموغرافية المتغيرة".

ويرى يتيم أن تفريغ لبنان من مسيحييه، كطرح غربي، ليس حلا، مبررا ذلك بأن "معظم الطوائف المسيحية، بما في ذلك المجموعات المارونية الكبيرة بشكل خاص، لديها روابط أقوى ومتعددة مع العواصم الغربية، وبهذا المعنى، تعتبر فرنسا على وجه الخصوص هذه الجماعات ضرورية للحفاظ على تأثيرها ونفوذها العميق في المنطقة". 

وأضاف: "وعندما نأخذ في الاعتبار أن لبنان يتمتع بأهمية مركزية في سياسة شرق البحر الأبيض المتوسط وعلاقات التجارة والطاقة البحرية، فإن فقدان هذا النوع من الروابط الثقافية لا يمكن أن يكون خياراً سياسياً عقلانياً من قبل الدول الغربية".

مصطفى يتيم

وأشار يتيم إلى أن "بعض الجماعات المسيحية تصطف مع إسرائيل وتدعم سياساتها في المنطقة لاحتواء التأثيرات المتزايدة المحتملة للمجموعات الطائفية الرئيسية الأخرى في لبنان. لذا، ونظراً للشراكة المتبادلة بين إسرائيل ومعظم العواصم الغربية، فإن أياً من الطرفين لا يدعم ظهور نزع المسيحية عن لبنان".

وأوضح يتيم أن فشل المسيحيين في الحكم في لبنان يعود لأربعة عوامل أساسية، إذ إن "المشكلة الأولى هي عدم وجود دعم عالمي وإقليمي أقوى لهذا المشروع وتصور هذا المشروع على أنه يحمي بشكل أساسي الوجود الإسرائيلي وسياساته، السبب الثاني هو الصراعات العميقة بين الجماعات المسيحية وحتى المارونية، فبينما أيد بعضهم هذا النوع من الدولة المسيحية في لبنان، رفض البعض الآخر هذه الدولة واعترفوا بكل دولة لبنان وأراضيه موحدة ووطنا، العامل الثالث هو وجود مجموعات طائفية رئيسية قوية أخرى وعلاقاتها العميقة والفعالة مع العواصم الغربية والجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية، والأخير هو المعايير والمبادئ الدولية الراسخة التي تهدف إلى كبح تفكك الدول ودعم السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للدول المعترف بها من قبل الأمم المتحدة".

ولا يستبعد يتيم فشل تجربة الشيعية السياسية في لبنان، موضحا أنه "خلال العهد العثماني، كانت الجهات الفاعلة السنية مؤثرة في الغالب، ثم تحول هذا الموقف القوي تقريبًا إلى الأقسام المارونية، والآن نتحدث عن الموقف المهيمن للجماعات الشيعية في لبنان مع صعود حزب الله كقوة عسكرية سياسية حاسمة في لبنان والمنطقة، حسنًا، وبالنظر إلى التجارب التاريخية، فإن سقوط أو تراجع القوى الطائفية الكبرى في لبنان ليس حالة فريدة أو غير مسبوقة، ولذلك، يمكن لحزب الله أيضاً أن يفقد موقعه القوي في المستقبل نتيجة لتغير الظروف المحلية والإقليمية بشكل خاص". 

وتابع: "وبهذا المعنى، فإن الخسارة المحتملة للنفوذ الإقليمي الإيراني في مختلف البلدان وتغيير النظام المحتمل في إيران يمكن أن يشكلا مصير رحلة حزب الله في لبنان والمنطقة، كما أن الصراع المحتمل بين الجماعات الشيعية وغيرها من الجماعات الطائفية الرئيسية، إلى جانب بعض الانقسامات داخل الجماعات الشيعية، وهو الأهم، يمكن أن يضعف موقف حزب الله أيضًا، وهذا يعني أن حزب الله كان نتيجة لتغير الظروف المحلية والإقليمية، فإذا كانت هذه الظروف يمكن أن تتغير في الاتجاه المعاكس فيمكننا التحدث عن رحلة مختلفة لحزب الله، ومع ذلك يبدو هذا السيناريو في الوقت الحالي بعيد المنال إلى حد ما ومن غير المرجح أن يحدث".

ولا يوجد تعداد سكاني رسمي بعدد اللبنانيين ولكن بحسب “الدولية للمعلومات” فإنّ المسيحيين باتوا يشكّلون 28 في المئة من السكان في لبنان، ما يعني أن عدد المسلمين أكثر، وبحسب “الدولية للمعلومات” أيضا فإن عام 2023 شهد ارتفاعاً كبيراً في عدد المهاجرين بالنسبة إلى العام الذي سبقه، إذ في العام 2022 بلغ عدد المهاجرين 59 ألفاً و269 لبنانياً، ليرتفع عام 2023 إلى 175 ألفاً و500 مهاجر. 

ويبلغ مجموع عدد المهاجرين بين عامي 2012 و2023، 621 ألفاً و550 لبنانياً، أغلبهم من المسيحيين.

وكان أمين عام حزب الله حسن نصرالله قد أكد مؤخرا أن حزبه لا يسعى للاستفادة من أي ظروف تكمنه من تغيير صيغة الحكم في البلاد، في محاولة منه لطمأنة جميع الأطراف اللبنانية الأخرى، بمن فيهم المسيحيون، في ظل ما يحكى عن صفقة سياسية قد تمكن حزب الله من الحكم في لبنان، كثمن لوقف الحرب الدائرة في جنوب لبنان منذ الثامن من أكتوبر 2023.

وحول الحل الأمثل لأزمة الحكم في لبنان يقول يتيم إنه يجب أن "يكون هناك فهم جديد ونهج إصلاحي في لبنان يتجاوز التبعيات الطائفية ويعيد تنظيم الدولة بما يتماشى مع الحقوق الديمقراطية والمدنية الطبيعية. لكن هذا نوع من المثالية نظراً للصراعات المعقدة الحالية في لبنان، وهناك أيضاً بعد إقليمي ينبغي أخذه بعين الاعتبار، وهذا يعني أنه حتى لو كان هناك بعض الإجماع بين الجماعات الطائفية الرئيسية في لبنان دون اتباع نهج سلمي وقائم على الاستقرار من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية الرائدة التي تنشط في لبنان، فإنه لا يمكن تحقيق الاستقرار الوظيفي والراسخ في لبنان".

الفلسطينيون ضد التوطين

من ناحيته، أشار مدير الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي في حديث مع "جسور بوست"، أن "محاولات توطين اللاجئين الفلسطينين في لبنان هو موضوع قديم ويتجدد، ودائما ما يتم استغلال أي حدث للضغط على الدولة اللبنانية لقبول التوطين"، مضيفا "والآن يتم استغلال الاوضاع في قطاع غزة لإعادة الحديث عن موضوع اللاجئين وحق العودة وغير ذلك".

وحول إمكانية توطين اللاجئين الفلسطينين في لبنان أكد، "هويدي"، أن "الشعب الفلسطيني في لبنان قالوا صراحة بأنهم لن يقبلوا بالتوطين والتهجير وأنهم لا يريدون إلا العيش بكرامة لحين العودة إلى فلسطين".

وفند هويدي خطورة التوطين بالقول إن "اللاجئون الفلسطينون في لبنان يتقاطعون مع مقدمة الدستور اللبناني بأن لا للتوطين. والتوطين إذا كان ليحدث فهو بحاجة لموافقة الطرفين الفلسطيني واللبناني. وكلا الطرفين يرفضان الفكرة حتى اللحظة. إن لن يتحمل لبنان التداعيات على المستويين الإنساني أو السياسي، فالتوطين يعني اعطاء الجنسية للاجئين، وهو ما لا يحتمله لبنان. لأن ذلك يعني أنه سيصبح ملزما بتوفير بدئل لكل الخدمات التي تقدمها وكالة الأونروا، كما لن يستطيع لبنان تحمل الفضيحة السياسية في حال الموافقة على منح الجنسية، لأن ذلك سيعد تواطئا مع المشروع الأمريكي-الصهيوني الذي يريد أن يذيب اللاجئين في أماكن تواجدهم. وهذا سيشكل حالة صدام ما بين اللاجئ والحكومة اللبنانية."

بحسب هويدي، فإن "عدد اللاجئين في لبنان اليوم حوالي 250 ألف من بينهم 23 ألف مهجر من سوريا."

إدعاءات كاذبة

من جهتها، أشارت الباحثة في شؤون اللاجئين، جوزيان مطر، إلى أنه “منذ بداية تدفق اللاجئين السوريين، كان هناك ميل إلى المبالغة في البيانات وتزويرها لكسب النفوذ السياسي وطلب المزيد من التمويل.وإن المبالغة في البيانات والتلاعب بها غالباً ما يعكس استراتيجية تتبناها بعض الجهات اللبنانية لتعزيز أجندات ومصالح سياسية معينة سواء على المستوى المحلي أو الدولي.”

وتابعت في حديث مع "جسور بوست"، “بالنسبة لبعض المجموعات السياسية، غالبًا ما يلقى اللعب على الورقة الديموغرافية والطائفية صدى لدى أتباعها ويسمح لهم باستعادة المصداقية والثقة وسط الفشل المتكرر للدولة اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات الرامية إلى التعافي الاقتصادي وتلبية احتياجات مواطنيها، وعلى المستوى الدولي، تساعد المبالغة في البيانات في تفاقم المشكلة واستغلال وجود اللاجئين لطلب المزيد من التمويل والضغط على المجتمع الدولي للضغط من أجل عودة اللاجئين.”

وعن احتمالات التغير الديموغرافي قالت "مطر"، إنه "لا زال الوقت مبكراً للحكم.. ففي حين أن العديد من السوريين يقيمون في لبنان، فمن المهم مراعاة النتائج المحتملة عند التوصل إلى حل سياسي في سوريا أو حالات إعادة التوطين في أوروبا".

وقالت إنه “بالإضافة إلى ذلك، فإن تحليل اتجاهات النمو السكاني في لبنان واستعداد المقيمين في الخارج للعودة وسط التحسينات الاقتصادية المحتملة هو سيناريو محتمل يجب النظر فيه أيضًا.”

وتختم مطر بالقول "إن توطين السوريين في لبنان هو ادعاء كاذب آخر يستخدم لتسييس وجود اللاجئين واستغلاله لأغراض سياسية، مضيفة “أن الديناميكيات الطائفية والسياسية في لبنان، تاريخياً وحالياً، تجعل توطين اللاجئين بعيداً عن أن يكون أولوية سياسية أو قابلة للتنفيذ عملياً.”

أهداف سياسية بحتة

وفي السياق، ترى المحامية والناشطة الحقوقية ديالا شحادة، أن طرح التوطين "يُستخدم في الخطابات السياسية للتهويل والتضليل والابتزاز، سواء عبر تشتيت الأنظار عن الجرائم الكبرى المتمادية التي تستمرّ الأحزاب السياسية الحاكمة بارتكابها ضد الشعب اللبناني منذ عقود، أو عبر  الضغط لزيادة الدعم المالي الخارجي." 

وترفض شحادة في حديث مع "جسور بوست" فكرة أن التوطين يفرض على دولة ما داعية "لوقف هذا التضليل عبر التذكير بأن التوطين بمفهومه السياسي التقليدي، أي منح الجنسية اللبنانية جماعياً وخارج إطار أحكام القضاء اللبناني، إنما تنحصر صلاحيته بأحد مرجعين: مجلس النواب بموجب مرسوم تشريعي، ورئيس الجمهورية بموجب مرسوم رئاسي. وبالتالي فإن الحديث عن "خطر التوطين" يعني تبعياً أن أكثرية الأحزاب الحاكمة في لبنان، أو على الأقل حزب رئيس الجمهورية، هي راغبة في منح الجنسية للاجئين السوريين."

وأكدت على أن "اللاجئين بطبيعة صفتهم هم من المقيمين المؤقتين الذين فرض القانون الدولي على دول العالم استقبالهم وعدم ترحيلهم إلى بلد المنشأ طالما أن الظروف التي تعرضهم لخطر الموت أو التعذيب أو الاضطهاد لم تزل مستمرة." محذرة من "الخطابات التب تحرّض على كراهية اللاجئين السوريين والتنمّر عليهم واضطهادهم بتصويرهم على أنهم خطر وجودي على اللبنانيين".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية